قصة الذهب في العصور القديمة
استحوذ الذهب على قلوب البشر منذ اكتشافه، وكان دافعًا لهم للقتال والكفاح عبر التاريخ وتطوير أساليب مختلفة تساعدهم في التنقيب للحصول على المزيد والمزيد من هذا المعدن الذي يتمتع بلمعانه الفريد من نوعه.
ولكن ما الذي يجعل الذهب يستحق كل هذا الكفاح لاكتشاف أماكنه الجديدة وخوض الحروب المدمرة من أجله؟
قد تتلخص إجابة الأشخاص المعاصرين عن هذا السؤال ببساطة بأن الذهب يعتبر مالًا في حد ذاته، حيث كان يتم استخدامه كبديل عن العملات المعدنية لفترة طويلة من الوقت. علاوةً على ذلك، فهو يعتبر المعدن الثمين الأكثر تميزًا وتفضيلًا بالنسبة للكثيرين، حيث تُصنع منه الأقراط الذهبية الأنيقة والأطقم الذهبية الرائعة والعقود الذهبية الراقية. لذا فهو يلعب دورًا مهمًا في صناعة المجوهرات، وهذا من أهم الأسباب التي تشجع على شراء الذهب واقتنائه.
ولكن كان الأشخاص الذين عاشوا في العصور القديمة يملكون نظرة أعمق إلى الذهب، فقد كان لديهم عدة دوافع ليعتبروه أحد أهم المعادن بالنسبة لهم، إذ تمكنوا من لمس جوهره الحقيقي.
يلف الذهب الغموض من كافة جوانبه، حيث يعتبر لونه اللامع الذي يشبه أشعة الشمس الساطعة من أولى الخصائص المدهشة التي جذبت أنظار الناس إليه. وقد كانت العديد من الحضارات القديمة، مثل حضارة الإنكا، تعتبر الذهب معدنًا مقدسًا لأنه يرمز لنور أشعة الشمس التي تضيء الأرض، خاصة وأن الشمس كانت تعتبر الآله الأعظم لديهم، وبهذا أصبحت أهمية الذهب لديهم تكمن في القدسية التي يتمتع بها.
وقد ساهمت الخصائص المذهلة التي يتمتع بها الذهب، مثل متانته وقابليته للتطويع، في جعله أحد أهم المعادن لدى قدماء المصريين، والذين كانوا ينظرون إليه على أنه رمز للأبدية والخلود. ويظهر ذلك في معتقداتهم التي تتمثل في دفن جميع الممتلكات الذهبية مثل الأقراط الذهبية والتعليقات والتيجان والخواتم وغيرها مع أفراد العائلة المالكة أو الفراعنة عند وفاتهم. كما كان يتم استخدامه في صنع التوابيت الخاصة بهم للحفاظ على حياتهم الأبدية بعد الموت.
وساهم الليديون في تطوير استخدامات جديدة للذهب من خلال اختراع العملة الذهبية. فقد جعل هذا النظام التجاري والمالي الجديد "ليديا" واحدة من أغنى ممالك العصور القديمة. لكن لسوء الحظ، كان ذلك سببًا في تدمير هذه الدولة العظيمة، حيث قاد الجشع والكبر ملكها "كرويسوس" إلى خوض حرب مع الفرس، معتقدًا أن الغلبة ستكون له لأنه يمتلك أثمن المعادن على وجه الأرض. لكن بدلًا من ذلك، كانت هذه الحرب السبب في تدمير المملكة الليدية.
أصبحت القصص والمعتقدات المماثلة المتعلقة بالذهب والرمزيات التي يحملها بمثابة بذور الإبداع التي ساهمت في بناء أعظم الحضارات، مثل حضارة مصر القديمة والحضارة السومرية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والأموية والعثمانية، وغيرها. كما ويظهر الذهب في العديد من الآثار التي خلّفتها تلك الحضارات، مثل جدرانها القديمة وقلاعها ومعابدها وكنائسها ومساجدها، وغيرها الكثير.
وحتى الآن، ما زال يعتبر الذهب أكثر من مجرد معدن نستخدمه في صنع المجوهرات الذهبية الراقية، بل هو معدن مميز يتمتع بقدرته على الحفاظ على رقي الإبداع الإنساني عبر العصور أيضًا.
